responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 403
وَقَوْلُهُ: وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ الْعَزِيزُ: الْقَوِيُّ، لِأَنَّ الْعِزَّةَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ الْقُوَّةُ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ [المُنَافِقُونَ: 8] وَقَالَ شَاعِرُهُمْ:
وَإِنَّمَا الْعِزَّةُ لِلْكَاثِرِ

وَالْحَكِيمِ: الْمُتْقِنُ الْأُمُورَ فِي وَضْعِهَا، مِنَ الْحِكْمَةِ كَمَا تَقَدَّمَ.
وَالْكَلَامُ تَذْيِيلٌ وَإِقْنَاعٌ لِلْمُخَاطَبِينَ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا شَرَّعَ حُقُوقَ النِّسَاءِ كَانَ هَذَا التَّشْرِيعُ مَظِنَّةَ الْمُتَلَقِّي بِفَرْطِ التَّحَرُّجِ مِنَ الرِّجَالِ، الَّذِينَ مَا اعْتَادُوا أَنْ يَسْمَعُوا أَنَّ لِلنِّسَاءِ مَعَهُمْ حُظُوظًا، غَيْرَ حُظُوظِ الرِّضَا وَالْفَضْلِ وَالسَّخَاءِ، فَأَصْبَحَتْ لَهُنَّ حُقُوقٌ يَأْخُذْنَهَا مِنَ الرِّجَالِ كَرْهًا، إِنْ أَبَوْا، فَكَانَ الرِّجَالُ بِحَيْثُ يَرَوْنَ فِي هَذَا ثَلْمًا لِعِزَّتِهِمْ، كَمَا أَنْبَأَ عَنْهُ حَدِيثُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ الْمُتَقَدِّمُ، فَبَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ أَيْ قَوِيٌّ لَا يُعْجِزُهُ أَحَدٌ، وَلَا يَتَّقِي أَحَدًا، وَأَنَّهُ حَكِيمٌ يَعْلَمُ صَلَاحَ النَّاسِ، وَأَنَّ عِزَّتَهُ تُؤَيِّدُ حِكْمَتَهُ فَيُنَفِّذُ مَا اقْتَضَتْهُ الْحِكْمَةُ بِالتَّشْرِيعِ، وَالْأَمْرَ الْوَاجِبَ امْتِثَالُهُ، وَيَحْمِلُ النَّاسَ عَلَى ذَلِكَ وَإِنْ كَرِهُوا.
[229]

[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 229]
الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاَّ أَنْ يَخافا أَلاَّ يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوها وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (229)
الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ.
اسْتِئْنَافٌ لِذِكْرِ غَايَةِ الطَّلَاقِ الَّذِي يَمْلِكُهُ الزَّوْجُ مِنِ امْرَأَتِهِ، نَشَأَ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى:
وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ إِنْ أَرادُوا إِصْلاحاً [الْبَقَرَة: 228] وَعَنْ بَعْضِ مَا يُشِيرُ إِلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَلِلرِّجالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ [الْبَقَرَة: 228] فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَعْلَنَ أَنَّ لِلنِّسَاءِ حَقًّا كَحَقِّ الرِّجَالِ، وَجَعَلَ لِلرِّجَالِ دَرَجَةً زَائِدَةً: مِنْهَا أَنَّ لَهُمْ حَقَّ الطَّلَاقِ، وَلَهُمْ حَقَّ الرَّجْعَةِ لِقَوْلِهِ:
وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ [الْبَقَرَة: 228] وَلَمَّا كَانَ أَمْرُ الْعَرَبِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ جَارِيًا عَلَى عَدَمِ تَحْدِيدِ نِهَايَةِ الطَّلَاقِ، كَمَا سَيَأْتِي قَرِيبًا، نَاسَبَ أَنْ يَذْكُرَ عَقِبَ ذَلِكَ كُلَّهُ حُكْمَ تَحْدِيدِ الطَّلَاقِ، إِفَادَةً لِلتَّشْرِيعِ فِي هَذَا الْبَابِ وَدَفْعًا لِمَا قَدْ يَعْلَقُ أَوْ عَلِقَ بِالْأَوْهَامِ فِي شَأْنِهِ.
رَوَى مَالِكٌ فِي جَامِعِ الطَّلَاقِ مِنَ «الْمُوَطَّأِ» : «عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ:
كَانَ الرَّجُلُ إِذَا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثُمَّ ارْتَجَعَهَا قَبْلَ أَنْ تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا كَانَ لَهُ ذَلِكَ وَإِنْ طَلَّقَهَا أَلْفَ مَرَّةٍ فَعَمَدَ رَجُلٌ إِلَى امْرَأَتِهِ فَطَلَّقَهَا حَتَّى إِذَا شَارَفَتِ انْقِضَاءَ عِدَّتِهَا رَاجَعَهَا ثُمَّ طَلَّقَهَا ثُمَّ قَالَ وَاللَّهِ لَا آوِيكِ وَلَا تَحِلِّينَ أَبَدًا فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: الطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ فَاسْتَقْبَلَ النَّاسُ الطَّلَاقَ جَدِيدًا مِنْ يَوْمئِذٍ مَنْ كَانَ طَلَّقَ مِنْهُمْ أَوْ لَمْ يُطَلِّقْ» .

نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 2  صفحه : 403
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست